سلاح المؤمنين الصادقين
الدعاء لغة: بمعنى النداء، وشرعا: التوجه الى الله تعالى بطلب دفع ضر أو جلب خير، وفسر الامام البخاري الدعاء بالايمان.
وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الدعاء هو العبادة” وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فإنما جاء من قول الله تعالى في الآية 60 من سورة غافر: “وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين”.
اننا في زمان القهر والتسلط هذا وتكالب الأمم علينا واعتبارنا العدو الاول لها وما يصدر بشأننا من قرارات ظالمة ومطالبتنا كرها وقسراً بتنفيذها، كل ذلك يستوجب ان نتوجه الى الله بالدعاء وأن نجأر به في الليل والنهار، فنحن في حاجة ماسة في واقعنا الأليم هذا للدعاء، حاجتنا للدواء، وإذا كنا لا نملك قوة قتالية كما لدى القوم، فإن الدعاء سلاحنا الفتاك وسهام ليلنا التي لا تخطئ هدفها ابداً، شريطة ان يكون الدعاء في مظلة شروط قبوله عند الله تبارك وتعالى.
شروط الدعاء
وشروط الدعاء حددها علماؤنا الاجلاء في الآتي:
1 الاخلاص في الدعاء. قال تعالى: “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء” (البينة:5). وقال تعالى: “قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا” (الاسراء: 56) وقال تعالى: “ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم” (الاعراف: 194). ومن ذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس وهو غلام حدث حين كان رديفه ذات يوم، قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: “يا غلام.. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، واذا سألت فاسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله” الحديث.
2 اطابة المأكل: عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله امر المؤمنين بما أمر به المسلمين فقال: “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات” (المؤمنون: 5). وقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم” (البقرة: 172). ثم ذكر عليه الصلاة والسلام: الرجل يطيل سفره اشعث اغبر يمد يده الى السماء ويقول: يارب.. يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له”. وقال عليه الصلاة والسلام: “يا سعد اطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة”.
إذن فلينظر أحدنا في كسبه الذي يطعم منه ومطعم اولاده وليكن حريصاً على ان يكون كسبه حلالاً لا تشوبه شائبة وليخلص دينه لله.
3 حضور القلب: فالدعاء لا يستجاب إذا كان من قلب غافل لاه، ليس متوجهاً صاحبه بكلياته لله رب العالمين، وإنما موزع ومشتت مع أمور الدنيا وشواغلها. عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة، واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه”.
4 الدعاء بالخير وعدم الاستعجال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله، فما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدعُ الدعاء” والاستحسار: الاعياء والانقطاع، والمقصود انه ينقطع عن الدعاء فلا يعاوده، ومنه قوله تعالى: “لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون”.
ويجمل سهل بن عبدالله التستري شروط الدعاء في سبعة: التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال. أما ابن عطاء الله السكندري فيقول: إن للدعاء أركانا وأجنحة وأسبابا وأوقاتا، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه أنجح، ثم يفصل ذلك بقوله: أما أركانه: فحضور القلب، والرأفة، والاستكانة، والخشوع. وأما أجنحته: فالصدق، ومواقيته: الأسحار وأسبابه: الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وان يختم الدعاء بالتأمين بأن يقول الداعي في ختام دعائه “آمين”. فعن زهير النميري رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة. فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال: وجب إن ختم، فقيل: بأي شيء يختم يا رسول الله؟ قال: “آمين” وانصرف، فقيل للرجل: يا فلان قل آمين وأبشر، (رواه أبو داود).
الله يحب ان يسأل
هذا ما يوضحه لنا معلم البشرية الاول صلى الله عليه وسلم، يرشدنا الى ان نتوجه الى الله سبحانه وتعالى في المكره والمنشط، وكلما ألح العبد في سؤال ربه سبحانه وتعالى، كان اكثر حباً له وقرباً منه، أفلا يحب أحدنا ان يكون محبوبا من خالقه، مقربا منه؟ إذن فلماذا نتقاعس عن السؤال (الدعاء) ونشتغل بأمور الدنيا الفانية أو نتعلق بأذيال فلان وعلان ممن يديرون وجوههم عنا ويملوننا كلما اكثرنا سؤالهم؟ عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: “إن الله يحب الملحين في الدعاء” رواه الطبراني. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سلوا الله من فضله، فإن الله عز وجل يحب ان يسأل” رواه الترمذي في الدعوات. وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يسأل الله يغضب عليه” اخرجه البخاري في الأدب المفرد.
اننا في امس الحاجة الى عفو ربنا وغفرانه وهدايته ورحمته، فنحن نتهافت على الجوائز والمسابقات الدنيوية ونهمل جائزة ربنا الكبرى التي لا ميثل لها لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد. وهذه الجائزة تتمثل في هذا الحديث القدسي. عن ابي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى انه قال: “يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجلعته بينكم محرماً فلا تظالموا. يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني اطعمكم. يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، انكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو ان أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى رجل واحد منكم، مازاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي، لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي، لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل انسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، انما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه” اخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والأدب من صحيحه.
ومن آداب الدعاء ان يبدأ الداعي بالثناء على الله بما هو أهله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحسن الظن بالله “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان” (البقرة: 186)، وأن يعترف العبد بذنبه، كما جاء في “سيد الاستغفار”: “اللهم أنت ربي لا إله إلا انت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.