كلمات فريدة

كثيرا ما تتم السطوة على أحاسيسنا وحرياتنا وحقوقنا ، لا شعوريا ..
مثلا حين لا نجرؤ أن نكون سعداء خوفاً من نظرة أو حَسَد أو حُكْم الآخرين علينا ، أو حين نجمّد الحزن في قلوبنا ونفرض عليه السجن المؤبد خشية ان يحكم علينا الآخرون بالضعف ، فنمنح الآخرين بسذاجة حق اختيار ما يجب أن نفعله ، ونتركهم يتحكمون بلحظات عمرنا كما يشاؤون ، ويتسلطون على مواقف حياتنا ، ويغتالون نكهة الفرح والأمل والحب والحلم بسيوف نظراتهم وأحكامهم .
ورغم أننا نعلم علم اليقين بأن هناك أمورا في حياتنا هي ملك لنا ، لا يجدر بأن نسمح لأحد بأن يقترب منها ، إلا أننا كثيرا ما نجد أحلى أيام عمرنا تتورط مع مفاهيم إجتماعية وعادات وأفكار غريبة تعشعش في الرؤوس وتدفع بنا عنوة إلى التنازل عن قناعاتنا وثقتنا وطموحاتنا والتنكر لشخصياتنا والإنسلاخ عن حقيقتنا وأصلنا ، فقط من أجل الإفلات من أفواه الناس ولكي نسلم من ألسنتهم .. ويبدو لي أن البعض منا يبالغ في خوفه من حُكْم الآخرين عليه ، وما برحت عيون الناس تحاصرنا أينما حللنا ، فأضحى هذا الامر بمثابة عائق قاس وجدار شائك يحول دون العفوية والبساطة والسعادة في حياتنا؛ فأصبحنا نخاف الظهور بالشكل الذي نحبه ونرغبه، بل بتنا نبحث ونلهث وراء الأشياء التي يمكن أن تظهرنا في المظهر الذي نسلم به من أحاديث هؤلاء الناس وتجنبنا عبارات مثل:" عيب " و" ماذا سيقول الناس؟" ..
وأصبحنا نلف وندور في دائرة الإلتزام بمعايير المجتمع ونظراته وأعرافه طلباً لرضاه وتجنباً لأي تغيير يتسبب في سخط هذا المجتمع علينا .
ومع الأسف ، أصبح البعض يخاف أن يضحك من قلبه لكي لا يفقد هيبته أمام الناس.. أو يذرف الدمع فيحكم الآخرون عليه بالضعف.. أو يقول رأيه بصراحة فيكون شاذا عن القاعدة ، بل ان البعض بات يأكل ويشرب ويلبس ويتكلم ويخرج للرحلات على طريقة الناس ! ، ضارباً بعرض الحائط رغبته الشخصية وسعادته الخاصة وقناعته الذاتية ، فأصبحت حياته بكل ما تحمل بين ذراعيها من لحظات فرح وحزن ، نجاح وفشل ، قوة وضعف تحكمها الخيارات المحددة سلفاً من قِبل المجتمع ، وما سيقوله عنه ! .
وبرأيي هذا تقدير خاطئ جدا للأمور ، فنحن لسنا مضطرين ان نقدم شرحا لـ "عيون الناس " ولا أن نخضع لاملاءات أحكامهم وأفكارهم ومعتقداتهم حتى نلقى قبولا عندهم ونحظى بتقديرهم .
حياتنا لنا ، فلماذا نسمح للآخرين بأن يتسلقوا جدرانها ويتسللوا اليها ويخدشوا وجهها ويسلبوننا حرية ومتعة القيام بما نريد وما يناسبنا ويلائمنا نحن، من خلال إملاء رغباتهم التي لا تدرك ؟، لماذا نترك لهم الفرصة ليعبثوا بأحلامنا وطموحاتنا وقراراتنا ؟
أعتقد، لا بل أجزم، بأنه حان الوقت لأن نقتل هاجس نظرة وحُكْم الآخر علينا ، وأن نحزم مشاعر الخوف والاستسلام والخضوع غير المقيد لأقوال الناس وإعدامها ، وأن نعيد ترتيب الأوراق في هذا الباب لكي نمنح أنفسنا شرف المحاولة والاختيار الذي يتفق مع قناعاتنا الشخصية ، والتخلص من الحساسية المفرطة تجاه أحكام الناس ، فمتى ما كان فعل الإنسان متفقاً مع ما تريده النفس وترتاح إليه، فحينها سيكون الإنسان مرتاحاً واثقاً من نفسه ، قادرا على إدارة دفة الأمور باتزان وحكمة .
فلنجرّب اذن أن نعيش الحياة كما نحب وليس كما يحب الآخرون..
ولا نخشى او نهاب أن نكشف عن عالمنا الخاص ، انتمائنا أو مهنتنا أو رأينا أو هواياتنا الغالية.. فالانسان حين لا يحترم ويقدّر عالمه الخاص عليه ألا يتوقع أن يحترم ويثمن الآخرون عالمه.
يجب أن نحترم الناس ، ونكسب ودهم وتقديرهم ، ونتعامل معهم بإحسان واحترام وصدق ، ولكن ليس معنى ذلك أن نخسر أحلامنا وطموحاتنا ، ونتنازل عن مفاهيمنا وقراراتنا ، ونتخلى عن أهدافنا ورغباتنا من أجل إرضاء الناس !